في اليوم العالمي.. التعددية الثقافية حق إنساني ومحرك للتنمية المستدامة

يحتفل به في 21 مايو من كل عام

في اليوم العالمي.. التعددية الثقافية حق إنساني ومحرك للتنمية المستدامة
شباب من عرقيات مختلفة في إحدى المكتبات

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر ديسمبر عام 2002، القرار رقم 57/249، الذي خصص يوم 21 مايو من كل عام للاحتفال باليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، جاء هذا القرار استنادًا إلى الإعلان العالمي للتنوع الثقافي، الذي أقرته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في عام 2001، اعترافًا منها بالدور الجوهري الذي تلعبه الثقافة في تعزيز التنمية المستدامة وتحقيق التعايش السلمي بين الشعوب.

تكرّس منظمة اليونسكو هذا اليوم سنويًا لتسليط الضوء على ثراء ثقافات العالم، وعلى أهمية تعزيز الحوار بين الثقافات كأداة أساسية لنشر السلام والتنمية الشاملة. 

وتؤكد المنظمة أن تعزيز التفاهم المتبادل بين الثقافات المختلفة لا يمثل فقط مسألة أخلاقية، بل يشكل ضرورة استراتيجية لضمان استقرار المجتمعات وبناء مستقبل أكثر عدالة وتضامنًا.

دعم الحوار في مواجهة النزاعات

أبرزت تقارير الأمم المتحدة أن نحو 89% من النزاعات القائمة حاليًا تدور في بلدان تفتقر إلى حوار فعال بين الثقافات، ودعت الجهات الدولية إلى وضع تعزيز الحوار الثقافي ضمن أولويات السياسات العامة باعتباره أداة فعالة لمنع الصراعات، وتعزيز التعاون، وتحقيق الأمن المجتمعي.

وأوضحت منظمة اليونسكو أن التنوع الثقافي لا يعني فقط الاعتراف بوجود ثقافات متعددة، بل يتطلب أيضًا ضمان المساواة في الكرامة والاحترام، وتوفير الظروف التي تسمح بتعبير كل ثقافة عن نفسها بحرية، ضمن إطار من الاحترام المتبادل.

قدّمت منظمة اليونسكو بيانات دقيقة تؤكد أن القطاع الثقافي والإبداعي يشكل اليوم أحد أكبر محركات النمو الاقتصادي والاجتماعي، ويستوعب هذا القطاع أكثر من 48 مليون وظيفة حول العالم، تشكل النساء قرابة 50% منها، أي ما يعادل نحو 24 مليون فرصة عمل.

وبيّنت المنظمة أن الثقافة تسهم بنسبة 3.1% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وتمنح فرصًا متزايدة للشباب دون سن الثلاثين، ما يجعلها من أكبر مصادر التوظيف للشباب على الصعيد العالمي، ومع ذلك، حذرت اليونسكو من أن هذا القطاع لا يزال يعاني من تهميش نسبي في السياسات العامة، وعدم كفاية التمويل والتعاون الدولي.

إعلان عالمي من أجل الثقافة

نظّمت منظمة اليونسكو في شهر سبتمبر من عام 2022، المؤتمر العالمي للسياسات الثقافية والتنمية المستدامة في العاصمة المكسيكية مكسيكو، بمشاركة وفود من أكثر من 150 دولة.

خرج المؤتمر بإجماع تاريخي على "الإعلان من أجل الثقافة"، الذي أكد اعتبار الثقافة "منفعة عامة عالمية" ودعا إلى إدراج الثقافة كهدف مستقل في خطة التنمية العالمية لما بعد عام 2030".

ركز الإعلان على ضرورة احترام الحقوق الثقافية للأفراد والمجتمعات، بما يشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للفنانين، وحرية التعبير الفني، وحق الشعوب الأصلية في حماية معارفهم التقليدية، وحماية التراث الثقافي والطبيعي.

ودعا الإعلان أيضًا إلى تنظيم أقوى للقطاع الرقمي، وخاصة المنصات الكبرى، بما يضمن حماية التنوع الثقافي على الإنترنت، واحترام حقوق الملكية الفكرية، وتأمين الوصول العادل إلى المحتوى الرقمي لجميع الفئات.

دعم التنمية المستدامة

اعتمدت الأمم المتحدة في سبتمبر عام 2015، خطة التنمية المستدامة لعام 2030، التي تضمنت 17 هدفًا عالميًا من أجل القضاء على الفقر، وحماية البيئة، وتعزيز العدالة، وأكدت الخطة في أهدافها أن الثقافة تمثل محركًا مركزيًا لتحقيق هذه الغايات، لما توفره من إبداع وتماسك اجتماعي وإرث معرفي مشترك.

كما صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في  ديسمبر 2015 على قرار بشأن الثقافة والتنمية المستدامة، أكد أن الثقافة تسهم في الأبعاد الثلاثة للتنمية: الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وعد التنوع الثقافي عاملاً حاسمًا في تحقيق التنمية المستدامة المتكاملة.

أثر الثقافة في التنمية

أطلقت منظمة اليونسكو إطارًا شاملاً يعرف باسم "مؤشرات الثقافة 2030"، يهدف إلى قياس ورصد إسهام الثقافة في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، يتيح هذا الإطار للحكومات والمجتمعات توثيق أثر الثقافة في تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وفي بناء مجتمعات شاملة ومتوازنة.

ويدعو هذا النظام إلى تطوير سياسات وطنية ثقافية متكاملة، وتعزيز البيانات الثقافية الرسمية، وضمان مشاركة أوسع للفنانين والمبدعين في عملية التنمية.

تُعد ثلاثة أرباع الصراعات الكبرى في العالم مرتبطة بأبعاد ثقافية، ما يجعل من جسر الفجوات الثقافية ضرورة ملحة لبناء عالم أكثر سلمًا وتفاهمًا، وتسهم المعاهدات الدولية المعنية بالتراث الثقافي في تقديم أسس قانونية وأخلاقية لحماية التنوع الثقافي وتعزيزه.

أكدت منظمة اليونسكو أن التنوع الثقافي لا يغني فقط الاقتصاد، بل يغني كذلك الحياة الفكرية والروحية والمعنوية للبشر، ويسهم الإبداع الثقافي في تعزيز الوعي المجتمعي، وتقوية روابط الانتماء، وتمكين المجتمعات من التعبير عن ذاتها والمشاركة في القرارات التي تؤثر في حاضرها ومستقبلها.

دعت اتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي، التي اعتمدتها منظمة اليونسكو في 20 أكتوبر 2005، إلى تحقيق أربعة أهداف رئيسية: دعم أنظمة حوكمة ثقافية مستدامة، وضمان تبادل متوازن للسلع والخدمات الثقافية وتسهيل تنقل الفنانين والعاملين في القطاع الثقافي، إدماج الثقافة بشكل منهجي في السياسات التنموية الوطنية والدولية، وأخيراً تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية المرتبطة بالإبداع والتعبير.

تواصل المنظمة متابعة تنفيذ هذه الأهداف من خلال تنظيم دورات دورية لمؤتمر الأطراف، حيث ناقشت الدورة التاسعة التي عُقدت في يونيو 2023 في مقر اليونسكو بباريس، أبرز التحديات التي تواجه القطاعات الثقافية والإبداعية، ولا سيما في مرحلة ما بعد جائحة كوفيد-19.

يشكّل الاحتفال السنوي بـاليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية فرصة لتأكيد التزام العالم بالقيم المشتركة التي ترتكز على الاحترام والتضامن والتفاهم المتبادل، كما يدعو هذا اليوم إلى تعميق الوعي العام بأهمية الثقافة في بناء مستقبل مزدهر وآمن للجميع، وإشراك الأفراد والمؤسسات في حماية التراث الثقافي الحي وصونه.

وتحث منظمة اليونسكو الدول الأعضاء، والمؤسسات الثقافية، والجهات الإعلامية، والمجتمع المدني، على تنظيم فعاليات ومبادرات تهدف إلى نشر الوعي، وتحفيز الحوار، ودعم الإبداع، في سبيل بناء عالم أكثر تنوعًا وعدالة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية